الأندلس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأندلس

Image

 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 الرسم العربي الآن مفهوم الأصالة الفنية بين خيارين 1

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ادريس سراج
الادارة
ادريس سراج


المساهمات : 583
تاريخ التسجيل : 11/02/2008

الرسم العربي الآن مفهوم الأصالة الفنية بين خيارين 1 Empty
مُساهمةموضوع: الرسم العربي الآن مفهوم الأصالة الفنية بين خيارين 1   الرسم العربي الآن مفهوم الأصالة الفنية بين خيارين 1 Icon_minitimeالسبت فبراير 16, 2008 2:49 pm

فاروق يوسف (كاتب وناقد من العراق)

ليس اقل من التشتت، ولا أكثر من الانتقائية، الرسم الحديث في الوطن العربي الآن، لا يخترع أزمانه من داخله، بل هو وليد أزمة دائمة، ابتلي بها منذ نشأته، وها هي تلتف الآن حوله مثل خيوط بيت العنكبوت لتخنقه، او على الاقل تتستر عليه في غياهبها، فن نشأ خارج الحاضنة الثقافية، في محاولة منه لاستدراج المحيط الثقافي الى منطقة استفهامية تقع خارجه، هي في الوقت نفسه منطقة مناوئة، كان حدثا ثقافيا غريبا ظل يكافح غربته هذه عن طريق اختراع أسئلة تخص الواقع الثقافي أكثر مما تخص واقعه، محاولة إنشائية تتحاشى وضف الواقع بأدواته،

من المفارقات الغريبة التي صارت جزءا عضويا من تاريخ رسمنا، ان مفهوم الأصالة لم يتحقق الا مشتبكا بالماضي، وكان مخترعو هذه العلاقة المريبة هم ذاتهم دعاة الحداثة الفنية وروادها. وهكذا يكون مفهوم الحداثة قد حل في ديارنا ضيفا ملتبسا وحائرا، التلفت هي صفته الأكثر اثارة للتساؤلات، فهو كمن يضع قدما على بر في حين يضع قدمه الأخرى على بر ثان. وما لم ينتبه اليه رواد الحداثة الفنية، هو ان دعوتهم قد انطوت على تناقض خطير بين الغاية والوسيلة، بين المرتجى والمسعى، بين الهدف المؤجل والسلوك العاجل. تناقض سيؤتي أكله ازدواجية ما بين القول والفعل، وانعدام للتوازن يرافقه اهتزاز في الرؤية، تنعدم معه القدرة على التحكم بالمسار أو الحكم عليه وحينها يكون كل ما هو ممكن مقبولا؟ الارتداد الى الماضي يقابله الاقتلاع عن الجذور، شهوة المضي بكل احتمالاتها يقابلها الاتكاء على الثابت والراسخ والمؤكد والمتفق عليه اجتماعيا. ان الفاصلة ما بين الطرفين لا تكمن في مدى الاستجابة لتحولات العصر فقط، بل في امكانية حشد الوعي الشعبي أيضا. ذلك لان هذا الصراع بدلا من أن يندفع عميقا في مناطق تجلياته الثقافية صار مع الاحتكام لنوع التلقي يتخذ مسارات اجتماعية هي أضيق من ان تحتوي تفجراته، ومنذ ان اصبح الرهان شعبيا الى هذا الحد صار الرسامون العرب يتبارون، كل حسب مستواه، في إظهار سصالحتهم مع المشروع الجمالي الشعبي أو عدائهم لذلك المشروع. وفي المسافة ما بين الخيارين يتم قياس مفهوم الأصالة، وهو مفهوم كما هو واضح لا تحكمه شروط فنية خالصة. ذلك لان أصالة العمل الفني، وفق هذا المقياس، كان يتم تحديدها بناء على مقتضيات وعي مسبق لا صلة له بالفعل الفني لذاته. لقد شهدت طريقة التفكير العربية بالفن انحرافا واضحا على مبادئ حرية الفنان أثناء عملية الخلق الفني.

فهذه المبادئ ظلت مقيدة بارتباطها بمفاهيم جمالية افرزها الماضي وكرسها الحس الجمالي الشعبي حتى لدى دعاة الحداثة من الرواد او من الاجيال الفنية التي جاءت بعدهم. وظل الفنان العربي، والرسام هنا يمثله خير تمثيل، يرى أمالته إنما تكمن في الذهاب الى الماضي والغرف من بحوره التي هي في حقيقتها بحور ناشفة، وهو ما لم ينتبه اليه الا قلة من الرس امين الذين طاردتهم الشبهات وظلوا متهمين بعداء الاصالة والتنكر للتراث والتواطؤ مع مشروع الغزو الثقافي الغربي. في حين طرح هؤلاء الفنانون معنى آخر وجديدا لمفهوم الأصالة الفنية يتفوق على المعنى السائد من جهة احترامه لحرية الفنان في استجابته لشروط فعله الجمالي الداخلية وعناصر تربيته الفنية، وهو أمر لا يتنافى على الاطلاق مع انتماء الفنان العرقي او الديني أو الاجتماعي. ومن ثم فانه لا يستبدل الحاضنة الثقافية التي تجمعه بالآخرين بحاضنة ثقافية أخرى، غريبة ومريبة النوايا، كل ما في الأمر ان هذا النوع من الرسامين شعروا أن ارتباطهم بفعل الرسم لذاته هو أقوى من إن يقاوموه بمصدات وعي لا يستجيب لحريته، بل ويخذلها، ولهذا مضوا وراء الهام هذا الفعل الذي يتستر على لذائذ حرية لم تكتشف بعد، وكانوا بذلك انما يعبرون عن أصالة انتمائهم للرسم، عالما مفتوحا على ما لا يحصى من التوقعات والمفاجآت الجمالية. ان امتناع هؤلاء الرسامين عن الخضوع للمعني السائد لمفهوم الأصالة، بل وتمردهم على هذا المفهوم انما ينطوي على

ثقة بمعنى بديل للمفهوم ذاته، معنى يأخذ بنظر الاعتبار استقلالية الفنان وخصوصية تجربته، وهنا بالضبط يكمن واحد من اهم المبادئ التي انطلق منها مفهوم الأصالة الفردية، وعلى تلتها فان تجارب الفنانين الباحثين من أمالتهم الشخصية _u أثبتت أن مفهوم الأصالة هو الآخر لم يعد تألبا جاهزا أو وصفة معدة سلفا، وان من شأن ازاحته من مرتع صنميته ان يهب الفنان حرية مضافة. هي في الوقت نفسه فضاء يخترقه الفنان وصولا إلى تحققه من جدارته الشخصية لابتكار جماله الخاص.

ان فنانينا اليوم وهم يجوبون المنافي، حالمين بفن يكون مخلصا، او على الأقل معبرا عن المحنة الوجودية التي ما فتئ المواطن العربي يغرف من لجتها انما يقدمون دروسا أهلة بالموعظة الشخصية، هذه المواعظ التي لو كرست نقديا لكانت التمهيد العملي للنظرية الجمالية العربية المعاصرة وبالاخص بعد ان افتضح هزال الدعوات إلى فن قطيعي، بحجة أبعاده الاجتماعية،

حيث صار واضحا بعد كل ما أنجزته الأنظمة التي تدعي الثورية في الوطن الغربي من كوارث ثقافية واقتصادية وسياسية البعد النفعي والذرائعي التخريبي لهذه الدعوات.

يستفز فن منى حاطوم (انجليزية من أصل فلسطيني) بشكل عام كل من لا يرى في الجمال مشروعا رؤيويا مرجأ، لا بسبب ما ينطوي عليه من اثارة تعبيرية مستترة، بل بسبب غموض ما يرمي اليه، ذلك لانه لا يقدم الشكل على ما يدعي انشاءه، وبالأخص ان محصلته لن تكون شكلية بالضرورة، فالشكل لدى هذه الفنانة لا يطرح للتداول ومن ثم للاستهلاك، قيما جمالية محددة ومحاطة بمهارات تأويلية جاهزة، فن (حاطوم) ينتزع تراثه الشكلي من لحظة خواء تعبيري وهو لذلك لا يعني الا بهذا النوع من الفراق، فراق يقصد تكريس الأبدية، كونها نزعة استعداد للقبول بالقطيعة حلا جماليا غير مضمون. وهنا تتخطى هذه الرسامة عقدة الخوف من الطارئ، فهي تصنع من هذا الطارئ مبدأ مضيها الى ما اختارته من جمال بارد.. وهو جمال لا يستفز بذاته، بل يكون محط استفزاز، ذلك لانه لا يقيم صلة مباشرة بالمشاهد المعني بنسيج الجمال المباح والمنتهك تعبيريا وشكليا في الوقت نفسه، انه بالاحرى يزيح عن كاهل المشاهد أعباء التفكير بمرجعية ما يرده من أشكال، سواء كانت هذه المرجعية ثقافية ام اجتماعية او تاريخية، العمل الفني، هنا، يكون من جهة تماهيه مع عزلته، وسيلة لتحرير المشاهد من اسر التفسير المسبق والجاهز للفعل الجمالي، انه يطلق هذا المشاهد في فضائه، كما لو انه يكتشف براءته مجددا. وهي على العموم براءة مخادعة، اذ سرعان ما يعود المشاهد الى اسئلته التأويلية العميقة، ولكن حقا هل يمكن ان يبتكر العمل الفني بذاته هواءه الخاص؟ بمعنى هل يمكنه الاستفنا، نهائيا عن مرجعياته كما نزعم؟ هنا ينبغي إن نتحقق من الخط الفاصل بين مفهومين للمرجعية: الأول يدعي الثبات بسبب مشاعيته، أي انه مرجع مقدس لا لشيء الا لانه مكرس ثقافيا. وهو ما يمنحه غطاء التداول الشعبي، أما المفهوم الثاني، فانه لا يدعي القدسية، بل انه يظهر قابليته على التراجع الضمني عن أحكامه. وهو مفهوم تمنعه شخصانيته من الانتشار بين العامة، في الحالة الأولى تكون المرجعية محددة بإطار وعي جمالي هو أشبه بالعقد المبرم بين المبدع والمتلقي أما في الحالة الثانية فان الخصومة بين الاثنين فيها لا يمكن إخفاؤها، وهي خصومة لا تقتصر على المعالجة الشكلية لفكرة الجمال، بل ان هذه المعالجة تختصر القطيعة.

بين عالمين: عالم يذهب إلى الجمال عاريا، وغير مسلح بنية التأليف الشكلي للفكرة وهي نية تتستر على محاولة مرآتية لاظهار المعاني، وعالم آخر يختص بالمعاني الشكلية والمضمونية ويسعى الى ابتكار اشكال متناغمة تكون بمثابة الوعاء الذي تأوي اليه هذه المعاني، والفن الجديد في جزء من مسعده انما يرغب في التخلي نهائيا عن عالم المعاني، وبالأخص منها ما ييسر عملية التراسل بين الفنان والمتلقي. فما يجب ان يواجهه العمل الفني بكامل خبرته: عزلته الداخلية والخارجية على حد سواء. فهو من جهة يرتجل عصيانه الذاتي لخبرته الشكلية. الأمر الذي يجعله لا يمثل لحظة من لحظات التراكم المعرفي، ومن جهة أخرى فانه يزيح عن طريقه كل معرفة ممكنة، جماعيا. ان منطق الكشف بمعناه الالهامي هو المنطق الوحيد الذي تسري قوانينه بقوة غموضها. وهنا يكون الفنان ازاء مهارة من نوع مختلف ، هي مهارة بقدر ما تكون ارتجالية بقدر ما تستلهم عزلتها، وهنا بالضبط تكمن أسباب الشعور بغرابة الاشكال التي تنتجها (منى حاطوم) وهي البريئة من أي انحياز شكلي.

فهذه الأشكال بالنسبة للمتلقي تطلع من منطقة عمياء، لا تاريخ يحكمها او تحتكم اليه، وهي لا تمارس تأثيرها على المتلقي اعتمادا على عاطفة مشتركة، بل هي تفعل العكس تماما، اذ أنها تنسف أية مناورة عاطفية ممكنة، مثلما تنسف أية شبهة شكلية محتملة. ربما كان هذا الفن تمهيدا لتحول جوهري في مفهوم الفن، اذا لم يكن هو في حد ذاته التحول الذي يشير الى قيام منظومة جديدة من المفاهيم، التي تنقذ الفن من تحجر أساليب الحداثة. وهي أساليب صارت أشبه بممارسات الحواة المخادعة، فالفنان الحديث صار اليوم قريبا من منطق السوق، بل وملتبسا بهذا المنطق صار يخفي خيبته عن الأنظار، هذه الخيبة التي نتجت عن شعوره، بقوة الاتباعي في تجربته، حيث تناقض الممارسة الاتباعية مبدأ الحرية الذي يقوم عليه الإبداع، بغض النظر عن المثال المتبع.

ان الفن الجديد اذ يطرح أمامنا تجاربه (وهناك ما يجسد هذه التجارب في عدد من المحاولات في غير بلد عربي او في المنافيا فانه انما ينتقل بالذائقة الفنية من منطقة استسلامها السلبي لقدر اسمه الجمال الى منطقة يكون فيها الجمال موضع تساؤل. وهنا يكون التلقي عنوانا لفعل إبداعي مضاف. وهو بالذات ما عجزت تجربة الحداثة الفنية في العالم العربي بعمرها الطويل عن الوصول اليه او اختراعه. وهو أمر يمكننا تبينه في استمرار الذائقة الجمالية لدى نقاد الفن بالذات في الخضوع لمفهوم التقاليد الفنية، وهذا المفهوم هو الآخر في حاجة الى ترصيف جديد، فكما أرى ان التقاليد الفنية، بصيغتها العربية، بغض النظر عن عناصر تكوينها، هي بناء حجري أصم، لا يمكن اختراقه الا عن طريق نسفه او هدم جزء عظيم منه. ولهذا السبب يمكننا ان نفهم لماذا تنشأ التحولات الفنية الانقلابية خارج سياج هذه التقاليد. بل وفي حالة تناقض أساسا مع كل ما أفرزته من قيم جمالية وثقافية. ويمكننا ان نفهم أيضا لماذا يفضل الفنانون المجددون، مضطرين، الإقامة في المنافي على البقاء في الاوطان، واذا ما كان البعد الانساني في هذا السلوك واضحا، فان المسعى الفني الذي ينطوي عليه هذا السلوك ما زال مسكوتا عنه. ان التجارب الفنية التي ترجو الذهاب بالمحاولة الانقلابية إلى أقصدها لا تقوم بذلك داخل العالم العربي، ومن ثم داخل الثقافة العربية، الا بأسلوب حي او مرتبك.

ويمكننا أن نجد في تجارب عدد من الفنانين العرب، التركيبية منها او المفهومية، وبالأخص في الامارات والسعودية خير دليل على الجرأة المغلفة بالخوف، ولذلك فان فهما جديدا للجمال لم ينشأ في الثقافة العربية، بل نحن الآن ما زلنا نعيش تجليات ذلك المفهوم الذي نشأ في خمسينات القرن العشرين، لقد بقيت المقولة التي تبلورت في ذلك الزمن تحكم زماننا بسبب النسيج الميت التي تتشكل منه عادة تقاليدنا الفنية والثقافية، ولذلك فقد بقي فننا، كوجود مفهومي، هو الفن نفسه الذي شهدت الخمسينات فورات نضوجه، وهو من هذا المنطلق فن قديم، فن ما زال يستعيد مرجعية تسكن زمانا غير زمانه. ولا يمكنني هنا ان استثني أي فنان عربي مقيم في وطنه من الوقوع في هذا الفخ المحكم، غير انني في الوقت نفسه لا يمكنني ان أشير الا الى عدد قليل من فناني المهاجر والمنافي معن استطاعوا ان يحرروا فنهم من عبودية التقاليد الفنية العربية، كما وصفتها، هناك اليوم في أوروبا وأمريكا فنانون عرب يفوق عددهم عدد الفنانين العرب المقيمين في أوطانهم، فير ان جلهم مازال ملحقا بأشد مناطق ثقافته المحلية ظلاما، فهم يجدون في التقاليد الفنية الفلكلورية حائط المبكى الذي يعيد اليهم صورة الوطن المفقود.

وهو فن يشهر حداثته حدادا على موت الحداثة، وهنا تكمن أحدى مفارقات ثقافتنا.

يعتقد الفنان العربي ان عصر الروائع لم ينته بعد، وان معجزة الخلق الفني ما تزال قائمة في ما لا يفنى، وهو ينظر باشفاق، مضطربا، الى التجارب الفنية العالمية التي تستلهم فكرة زوالها وتسعي اليها، وهو في ذلك انما يقيم اعتبارا لجسد العمل الفني لا لمغزاه، لأبديته المفترضة لا لسقوطه العابر في الفراغ النفسي. وكما أرى فإن الفنان العربي في هذه الرؤية إنما يجسد ارتباطه الأعمى بالمفاهيم التي تكرسها حياة أزاحت عن كاهلها عبء التاريخ المتحرك وسقطت في عتمة تاريخ ميت، هي الحياة العربية. وهنا تكمن واحدة من اكثر مفارقات ثقافتنا مأساوية فالفنان العربي، كونه عضوا حيا في الحياة بمفهومها الشامل، يدرك جيدا انه ضحية مزدوجة لهذا النوع من الحياة التي يعيشها العرب في لحظة من لحظات تدهورهم الحضاري: انسانا ومثقفا، ومع ذلك فانه فيما يفكر به وقيما يفعله إنما يستجيب لشروط هذه الحياة، بكل جمودها وتكلسها. هذه الثقة تتناقض مع مبدأ الشك، الذي يجب ان تتبناه الضحية او ما ينبغي لها ان تتبعه، غير ان الفنان العربي وهو الأكثر حساسية من سواه في تفسيري وتحليل الظواهر المعيشة، قد تماهى مع افرازات حياته الممعنة في نقصها الاتصالي، حتى صار هذا النقص فضيلة بنظر البعض. وصار ينظر إلى مغامرة الخلق الفني من جهة اتصالها بالماضي لا من جهة انفصالها عن هذا الماضي. وبغض النظر عن النيات المبيتة فان الفنان العربي، اليوم، هو كائن ماضوي يرى في الاستجابة لشروط العرض الانساني كما هو خير تعبير عن أمالته. ومن مغطس الصالة هذا ينظر الفنان العربي الى ما يجري من تحولات في العالم الخارجي. ومنطقه هو منطق الرافض الساخر، المتعفف، والحريص على الفن بمفهومه الذهبي إزاء ما انتهى اليه الفن من وضع مزر، رخيص، ومشاع، وزائل، وهو يرى ان الفن في العالم قد سقط في الحضيض، ولا تمثل نتائجه الجمالية الا موقفا عبثيا من الحياة ومن الفن في الوقت نفسه. وفي الحقيقة فان الفنان العربي في موقفه هذا يشبه الى حد كبير عقائديي الأمس الذين ينظرون الى تفكك الاتحاد السوفييتي على أساس انه خيانة عظمي للماركسية اللينينية، وكفى، وليس القصد من هذه المقارنة الدعوة الى الواقعية، بل محاولة للنظر الى العالم الخارجي مثلما هو، في حقيقته. وهو امر لا أظنه يسيرا على الفنان العربي وهو يرى في عزلته فكرة خلاص، انه يعيش حالة فرار نكوصية من الحاضر في اتجاه الماضي. ولذلك فانه لايز ال يتمنى لاعماله الفنية مصيرا متحفيا. وهو يوفر لهذه الأعمال كل المقومات التي تجعلها قابلة للتحنيط. في حين ان المتحف الفني المعاصر قد اكتسب اليوم ترصيفا جديدا أملى عليه وظائف جديدة تقع خارج المنحى التوثيقي، الجامد، وهي وظائف ازاحت المتحف من منطقة الاكتفاء المخزني، حيث تتكدس الاعمال الفنية متبعة معيارية تاريخية، الى منطقة التبشير الانتقائي بالحركات الفنية الطليعية، كما يفعل متحف (تيت) البريطاني بين حين وآخر. هذا التحول في الصفة المتحفية منح الفكرة المتحفية طابع حياة تتجدد، وهي حياة تتفتح على مغزى الفن في تحوله، ولا تملي على الفن شروطا متحفية مسبقة. هذه الشروط التي تضع في حسبانها معيارية جاهزة للخلود. وكما أرى فإن المتحف اذ يغادر أسطو رته القائمة على اشهار كثافة الوجود الفني قياسا للزمن، فانه يلقي بظلال اسطورة جديدة على العمل الفني لذاته، من غير ان يكون هذا العمل الفني قابلا للضم المتحفي. هنا مارس المتحفيون خيلتهم بذكاء لإنقاذ سمعة متاحفهم ليس الا. فمن خلال هذه الحيلة يكتسب المتحف وظيفة في ادارة الحياة الثقافية. من جهة التفاعل مع متغيراتها، لا من جهة الفعل الرقابي، الأبوي، الصارم والعابس وغير المكترث، وهكذا تكون المتاحف،، أو عدد منها، قد غادرت فكرة متحفيتها الميتة، في حين لا يزال يسعى الفنان العربي ولا يخفي وبضراوة لافتة، ولعه المتحفي، حيث تقف فكرة الخلود حاجزا بينه وبين اكتساب مهارات وحساسية جديدتين تجعلانه اكثر تمثلا لواقعه الهش وانسانيته العبادة. ذلك لان هذه الفكرة بصلابتها تمنعه من استيعاب كل ما يحيط حياته من عبث ومجانية. وهو فيما ينتجه من أعمال فنية أشبه بممثل اغريقي وجد نفسه واقفا وسط حلبة سيرك ويأبي سوى ان يظهر بكامل أبهته التراجيدية. وهذا المثل ليس للمقاربة ولكن لتوضيح عناصر المفارقة ليس الا، فالفنان العربي لا يزال يظهر حرصه على المسافة التي تفصل بين حياته وبين عمله الفني، ولا تزال الاعمال الفنية في العالم العربي مستغرقة في حياد سلبي يجعلها مؤهلة لكي تكون سلعة مترفة في سوق الفن. وليس غريبا ان ينتج يساريو الماضي العربي القريب لوحات وقطعا نحتية لتزيين بيوت الأثرياء الرجعيين، حسب التصنيف اليساري البائد. الأمر الذي يؤكد ان البوصلة التي يتبع الفنان العربي حركة ابرتها، هي بوصلة مخادعة، ولا يعتد بنتائجها. وهي بوصلة يغذيها خيال مقفل على عدد من البداهات التي لم تعد صالحة للاستعمال، اليوم فـ (الروائع) التي ينتجها الفنان العربي اليوم، ساعيا بها في اتجاه الخلود المتحفي هي في حقيقتها من مخلفات المسيرة التاريخية للفن، وهي لا تقدمه في العالم الا كونه كائنا منقرضا هو أشبه بديناصور استيقظ من غفوته فجأة، ويا للصدفة المرحة التي تجمعه بالديناصور في خزينة واحدة هي المتحف.

يتبع

منقول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://andalouss.yoo7.com
 
الرسم العربي الآن مفهوم الأصالة الفنية بين خيارين 1
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأندلس :: قسم الادب العربي و الفن - شامل - :: منتدى الرسم-
انتقل الى: